«زى ما وافقتوا ع التوك توك وافقوا على القنوات الفضائية الفقيرة بتاعتنا، التوك توك عرف يخش الحارات والمزانق، اللى مابيوصلهاش الميكروباص، وقنواتنا برضه عرفت تحقق رغبات الناس البسيطة، اللى مابتشوفش نفسها فى قنواتكم الفضائية»!، جملة عبقرية قالها شاب مصرى اسمه وائل أبوطالب على قناة الجزيرة فى فيلم تسجيلى جميل متميز شاهدته مساء السبت الماضى اسمه «تليفزيون الحارة»، هذا الشاب يطلقون عليه فى سمنود «وزير إعلام سمنود»!، يكتب مسلسلات إذاعية وصاحب وصلات سرية ومنشئ قناة فضائية فى حارات سمنود أطلق عليها اسم «دريم»، عدد من يشاهدون هذه القناة السمنودية ١٢٥ ألف مشترك!، هذه القناة ومثيلاتها تحارب بشدة من شرطة المصنفات الفنية، رغم معرفة أمن الدولة بها ولا يوجد أى قانون أو تشريع ينظمها، رغم احتياج الناس إليها.

تقنين أوضاع هذه القنوات مطلوب من وزارة الإعلام، كما هو مطلوب أيضاً من وزارة الداخلية حماية الملكية الفكرية أو بالأصح حقوق ملاك القنوات المشفرة، فى ظل الصحف الكبرى مثل «الأهرام» و«الأخبار» صدرت صحف إقليمية عديدة ورغم أن معظمها يتبع المحافظ ويعتبرها البعض نشرات محافظة، فإنها ناجحة وتتمتع بنسبة قراءة ومتابعة عالية وبعضها مستمر منذ نصف قرن، فلماذا نسمح بصدور هذه الصحف ونمنع تلك القنوات؟، طلب أصحابها تقنين الوضع والعمل فى النور، صرح أحدهم بأنه ذهب لمبنى التليفزيون لمقابلة الوزير بلا طائل، هم لا يتحدثون فى السياسة ولا فى الدين كما قالوا فى الفيلم الوثائقى وكله مكشوف عند أجهزة أمن الدولة، إذن ما سبب الخوف والذعر من قنوات تخاطب منطقة شعبية تعرض أفراحها ومآتمها ولا تعرض حفلات مارينا؟!، وتتابع ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة، لا أسعار شاليهات وفيلات الكومباوندات، وتعلن عن محال الفول والطعمية والكشرى، لا محال كنتاكى وماكدونالد وبيتزاهت!،

تقطع برامجها من أجل طفل تائه فى الحارة، لا من أجل برقية معايدة من إمبراطور زنجبار!، هذه القنوات لبت حاجة ملحة عند الناس أن ترى نفسها على الشاشة، لا ترى فلاحين مزوقين ولا صعايدة مزيفين ولا حرافيش مسلسلات مصنوعة، عزومة الفرح لكل الحارة عبر الدش، والحزن على المرحوم يخيم على الجميع من خلال الوصلة!.

سألوا الناس عن سر إعجابهم بتلك القنوات ردوا وقالوا: لقيت فيها نفسى!، هذا هو مفتاح نجاح تلك القنوات، قنوات دريم سمنود وسبعمية وحداشر المحلة الكبرى والفيوم، التى عرضها الفيلم كنماذج لقنوات الوصلة، حجرات الريسيفر السرية، اشتراكات أهل الحارة الرمزية، ماكينات مونتاج الإعلانات، شباب الحارة، الذى يشارك فى تمثيل المسلسلات المنقوعة فى تراب تلك المناطق وحماسهم وتركهم المقاهى والبانجو وإحساسهم بأنهم يفعلون شيئاً ويحققون هواياتهم المدفونة حتى ولو كان تمثيلهم رديئاً، كل هذا الزخم، الذى تشوبه الفوضى كشف عن حاجات إنسانية واقتصادية لتلك المناطق تحتاج إلى تغطية إعلامية من نوع خاص، وتحتاج أيضاً إلى أذن صاغية وصدر رحب، بدلاً من اليد الباطشة والتربص الخانق.